أكد وزير الداخلية المغربي الطيب الشرقاوي, الجمعة 29-4-2011, أن التحريات الأولية حول الاعتداء الذي استهدف أمس مقهى بمراكش بينت أن عملية التفجير تمت عن بعد, وأن الأمر لا يتعلق بعملية انتحارية.
وقال الشرقاوي, خلال اجتماع للجنة الداخلية واللامركزية والبنيات الأساسية بمجلس النواب, إن "الأمر لا يتعلق بانتحاري... ويبدو أن عملية التفجير, والأبحاث لا زالت جارية, قد تمت عن بعد".
وأضاف أن "الجميع يعرف الجهة التي تستخدم هذا الأسلوب في التفجير", موضحاً أن عملية التفجير تمت "باستعمال مادة متفجرة تتكون من مادة نيترات الألمنيوم ومتفجرات من نوع (تي أ تي بي) مع إضافة مسامير حديدية إلى المادة المستعملة".
وقال الوزير إن "احتمال وجود أخطار لا زال قائماً", داعياً الجميع إلى "التحلي باليقظة والحذر والالتئام والتماسك وجعل المصالح العليا للوطن فوق كل اعتبار".
وكانت "العربية" قد عايشت عن قرب تفاصيل التفجير، وقدمت توصيفاً متكاملاً لملابسات التقرير.
حيث كانت الساعة تشير إلى منتصف النهار عندما وصلت إلى قبالة مقهى أركانة في ساحة جامع الفنا مباشرة عقب سماع دوي انفجار وقع في الساعة الحادية عشرة و35 دقيقة بالتوقيت المحلي (العاشرة و35 بتوقيت غرينيتش).
سيارات الإسعاف تواصل اختراق صمت المكان بدويّ منبهها القوي لحمل جثث وصل عددها إلى 17 قتيلاً، غالبيتهم من جنسيات أجنبية، المعطيات الأولية أشارت ساعتها إلى أنهم فرنسيون.
وكانت عناصر من فرقة الشرطة العلمية تعمل على رفع بصمات مسرح الجريمة، وعلى التشخيص الأولي للوصول بسرعة إلى الخيوط الأولى لعملية التفجير الإرهابية الأولى من نوعها في تاريخ مدينة مراكش، الملقبة بالحمراء، والمصنفة ضمن الوجهات العشر السياحية الأولى في العالم، في ما سمّاه المراقبون بالربيع الدموي الثالث في المغرب عقب ربيعي عامي 2003 و2007 في مدينة الدار البيضاء، كبرى مدن البلاد.
تسارع العناصر الأمنية من مختلف الأجهزة المتخصصة الالتحاق بالقرب من مقهى "أركانة" ليبدأ التشاور حول التشخيص الأولي للحادث، خاصة أن شائعة قوية تنتشر في المكان تشير إلى أن الأمر يتعلق بانفجار لقنينة من غاز البوتان من الحجم الكبير، ويبدو المشهد دموياً لكل الشهود العيان مع تتالي نقل جثث القتلى والجرحى، وسرعان ما يأتي بلاغ من "الداخلية" المغربية يشير إلى وصف العمل بالإجرامي وأن تحقيقاً تم فتحه في الموضوع، بينما كل الحكومة المغربية متواجدة في مدينة فاس وسط البلاد لحضور مجلس للوزراء يرأسه العاهل المغربي محمد السادس.
رواد ساحة جامع الفنا يشدهم الفضول لمعرفة ماذا جرى داخل مقهى الأركانة، إلا أن السلطات الأمنية في عين المكان تعمد إلى إحاطة مكان التفجير بحواجز حديدية، بينما بدأ مسؤولو مدينة مراكش يتهربون من أسئلة الصحافيين الراغبين في معرفة حقيقة الأمر بسرعة قصوى، ومع مرور الدقائق ينتشر الخبر على المستوى العالمي، ويتم طرح علامة استفهام كبيرة هل يتعلق الأمر بعمل إرهابي؟.
وتشير المشاهد من داخل مقهى أركانة كما صورتها كاميرا "العربية" إلى قوة التفجير الذي تسبب في انهيار جزء من السقف وإلى تدمير كامل للطابق العلوي الذي كان يشكل بلكونة للسياح الأوروبيين على ساحة جامع الفنا، خاصة خلال ساعات الصباح للاستمتاع بشمس المغرب الدافئة خلال أبريل الربيع، وعلى الطابق الثاني بقع دم كبيرة الحجم وضعت على كل بقعة عنصر أنثى من الشرطة العلمية رقماً كبير الحجم قبل أن تمنع مواصلة التصوير لـ"العربية" بدعوى غياب أي ترخيص لدخول مسرح الجريمة، دقائق فقط عقب التفجير الذي قال شهود عيان إنه استمعوا له على بعد دائرة قطرية تصل إلى 200 متر في مدينة مراكش.
لا يتوقف المصورون المحليون لمدينة مراكش في الضغط على زر التصوير لعدم تفويت أي لحظة من الساعات الأولى للظهيرة التي تلت تفجير مقهى مراكش الذي نقل المدينة إلى العناوين الأولى في نشرات الأخيار لارتباط المدينة بالسياحة العالمية، وسمعتها التي ارتبطت بالشمس وبالنخيل وبالأطباق الشعبية التي يقبل عليها السائحون من القارات الخمس في مطاعم الهواء الطلق في جامع الفنا التي صنفتها منظمة اليونسكو قبل 10 سنوات كتراث عالمي للإنسانية بفضل حكواتييها الشهيرين بقصصهم الشعبية المتوارثة شفوياً.
وتقترب الساعة من الرابعة عصراً بحسب توقيت المغرب المحلي، وتتأكد فرضية العمل الإرهابي في تفجير مقهى أركانة، وأن الفاعل هو شاب مغربي من دون لحية ولا شارب، يرتدي زياً رياضياً، ويحمل حقيبة ظهر للسفر ثقيلة جداً، وليس من الاعتيادي أن يتم حملها في مثل هذه المقاهي المفتوحة للعموم، وفق رواية سائحين هولنديين تواجدا خلال دخول الشاب المشتبه في وقوفه وراء العملية، إلا أنهما غادرا المكان قبل 3 دقائق من التفجير من أجل التبضع في المحال التجارية القريبة من المقهى، ليسمعا دوي انفجار قوي، وعندما يلتفتا وراءهما يجدا أن المقهى حيث شربا الشاي الأخضر المنعنع تحول إلى ركام، وأنهما كان من الممكن أن يكونا من الضحايا، وفق تعليقها في مقابلة خاصة بـ"العربية".
ويصل كل من الطيب الشرقاوي وزير الداخلية المغربي وزميله في الحكومة محمد الناصري وزير العدل، إلى مستشفى ابن طفيل في مدينة مراكش قادمين عبر الطائرة من مدينة فاس من أجل تفقد الضحايا والوقوف على انطلاق التحقيق الذي أمر العاهل المغربي محمد السادس بفتحه حول ملابسات وحقيقة وأسباب ما وقع، قبل أن ينتقلا إلى مقر إدارة مدينة مراكش لاجتماع مغلق يدوم نحو ساعتين، تليها خطاب للصحافة لوزير الداخلية شدد من خلاله على أن الرباط ستواصل حربها على الإرهاب بتنسيق مع كل الدول الصديقة والشقيقة.
بعد يوم غير مشمس بسبب انتشار سحب في الأجواء، وسماع دوي انفجار قوي وغير مسبوق، يأتي أول الليل، وتبدأ حركة الرواح والغدو بين أركان ساحة جامع الفنا من قبل سكان وزوار مدينة مراكش من المغاربة والأجانب، وعلى أطراف الساحة واصل بائعو عصير البرتقال وباعة الفواكه الجافة تجارتهم، إلا أنهم لم يترددوا في التعبير عن تخوفهم من بوار قد يصيب الساحة بسبب السمعة السيئة لمرحلة ما بعد تفجير مقهى الأركانة، وأما أصحاب المطاعم الشعبية فلم يقدم أي منهم على فتح محله أمام الجمهور، وبدأ مقهى الأركانة شاحباً وهو مغلق لأول مرة في حياته بعد أن تحول إلى مجرد أطلال تشهد على أن مسامرات طويلة على الشاي المغربي مرّت عليها.